الشباب المغربي مدمن ...........(الحريك)

لم تنقطع يوما الهجرة السرية من الدار البيضاء إلى ضفاف أوروبا، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة حول المداخل الرئيسية للموانئ التجارية والشوارع الرئيسية المؤدية لها، إلا أن سيل الهجرة إلى بلاد "الخير" - حسبما يُردد المهاجرين السريين- لا يزال مستمرا سواء بـ"الحريك" على شاحنات البضائع أو عبر القوارب المطاطية "زودياك"

بهدوء حذر، تسلل سعيد إلى مكانه المعتاد مع زملاء له بحي عكاشة بعين السبع، زاوية شبه مظلمة غير بعيدة عن المدخل الرئيسي لإحدى أكبر الشركات الدولية المتخصصة في النقل الدولي للبضائع المعدة للتصدير إلى أوروبا، في انتظار مغادرة شاحنة يستعملوها قاربا بريا "للحريك" إلى الضفة الأخرى.

يقول سعيد الذي لم يكمل السابعة عشر: "السخط الأكبر هو أن أظل مكتوف الأيدي بلا حراك في هاد البلاد التي أخذت مني الكثير ولم تعطني أي شيء".

لم يتردد سعيد في أن يضرب لي موعدا قبل يومين في هذا المكان بحي عكاشة بعد أن اهتديت إليه عن طريق صديق قدمه لي باعتباره أحد مدمني تجريب "الحريك" عبر شاحنات البضائع المعدة للتصدير (تسمى المشقوف بالدارجة المغربية).

يحفظ المهاجرون السريون أماكن تواجد ووقوف هذه الشاحنات وأنواعها ووجهاتها عن ظهر قلب، اعتمادا على ما يشبه بنكا للمعطيات والمعلومات التي يتجدد باستمرار حسب المستجدات وآخر الأخبار، يتداولونها فيما بينهم بلغة خاصة من المصطلحات الجديدة يشكلون بها قاموسا خاصا بالحراكة يكاد لا يفك رموزه سواهم..

(س).. وجه بملامح جافة تميل إلى السمرة، يرتدي بذلة رياضية وحذاءً رياضيا خفيفا، أما المحفظة الصغيرة "ساك أدو" فلا تكاد تفارق ظهره حتى أضحت جزء لا يتجزأ منه، ما دام الأمر يتعلق بتأهب دائم يتطلب عُدَّة وملابس وأكل من نوع خاص لزوم عمليات "الريسكاج" وهي تحوير لكلمة "ريسك" باللغة الفرنسية التي تعني الخطر..

يقول: "لا تستطيع أن تحدد وقتا دقيقا ومنتظما لمرور الشاحنات المتوجهة إلى أوروبا نظرا لكثرة عددها وتعدد الشوارع والمسارات التي تتخذها كل يوم بالدار البيضاء، وهو ما يفرض علينا هذا النوع من الاستعداد الدائم وفي كل الأوقات لإيجاد مخبئ آمن في أية شاحنة نعرف أنها تتجه إلى هناك".

بينما تستكمل شاحنة إجراءات مغادرة الميناء، يأخذ عبد الله الحكيم، 17 عاما، مكانه وسط خمسة أفراد يشكلون فريقا واحدا مهيئا بما فيه الكفاية لاقتراف "المغامرة"، عبد الله من هيئته وملامحه وطريقة كلامه واهتمام الآخرين بما يسرد عليهم من توجيهات أنه يمتلك تجربة كبيرة في مجال ركوب الشاحنات.
بجانب المجموعة وضعت بإحكام قطع مختلفة من الخشب المهيئ بشكل مستطيل بمقاسات مختلفة طُلى بالأسود.. يقول عبد الله: "أنها قطع خشبية ضرورية لإعداد "الساسي" أي المكان الذي يوجد أسفل الشاحنة وهو عبارة عن صندوق حديدي أسود فارغ بدون أرضية يقوم الحراك أو مجموعة "الحراكة" بتجهيزه وإعداده بأرضية من قطع الخشب وإغلاق جنباته بقطع خشبية أخرى ذات لون أسود حتى تأخذ شكل ولون الصندوق الحديدي الأصلي قبل أن يتخذه ثلاثة أو أربعة حراكة- حسب حجم الصندوق- مخبئا لهم في وضعية مستلقين على جنوبهم، حتى إذا ما مرت إحدى دوريات الأمن أو الجمارك قرب المكان في محاولة للتفتيش والمراقبة لا تنتبه كثيرا إلى الأمر".

يتداول المهاجرون عددا من المغامرات الفاشلة والطرائف التي قاموا بإنجازها انطلاقا من شركة " فيمار"، التي كانت حسبهم فأل الخير على الكثير من زملائهم الذين نجحوا في الوصول إلى فرنسا واسبانيا وايطاليا وحتى ألمانيا عبر شاحنات البضائع التي انطلقت ذات ليلة من هذا المكان وعادوا بعد سنة أو سنتين في هيئات وأوضاع مختلفة تماما.

يحكي عبد الله كيف وصل إلى داخل ميناء طنجة بعد أن قطع المسافة الفاصلة بين الدار البيضاء وطنجة مستلقيا رفقة زميلين له في صندوق حديدي لإحدى الشاحنات مدة ست ساعات كاملة، حتى تصلبت أبدانهم و"هجرها" الدم، وبعد أن اعتقد أن الجرة سلمت هذه المرة وبأن أوروبا على مرمى حجر، أحس بلكزة من قضيب حديدي دقيق تخترق جسده تسربت من ثقب قطعة خشبية، رد عليها بصرخة قوية انتبه لها موظف الجمارك الذي فتح الصندوق ليجد الثلاثة بداخله واضعا بذلك حدا لمغامرة أخرى فاشلة.

حكاية عبد الله مع القضيب الحديدي فتحت شهية المجموعة لحكايات شبيهة ركبها الخمسة في وقت سابق، كان ألطفها عضة الكلب التي أخرجت أحدهم قبل سنتين من حاوية معدة للتصدير بميناء الدار البيضاء التجاري كان ينوي التسلل بها إلى الخارج، وهي العضة التي كشفت أمره ووضعته في سيارة الشرطة بعد أن شبع فيه البوليس لكما وضربا مبرحا قبل نقله إلى المقاطعة الخامسة بالصخور السوداء حيث مكث ثلاثة أيام هو الآخر قبل الإفراج عنه بدون ضمانات.